المدرسة هي محطَّة وجسر عبور إلى المستقبل، ففيها تتلقى الأجيال المعرفة التي تتيح لها الانخراط في عملية بناء المجتمعات والأوطان، وبقدر ما تكون مناهج التعليم في المدارس والجامعات سليمة وصحيحة، يكون إعداد الأجيال ناجحاً، وعندما تتخلَّف مناهج التعليم عن مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعصف بعالمنا، وبإيقاع متسارع، فإن مشكلة كبرى تواجهها المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة، وتدعوها للنظر الجدّي والسريع في موضوع المناهج. وهذا ما يحدث، وبدرجات متفاوتة، في مختلف المدارس العربية بإسبانيا. ولعل دراسة أحوال مناهج التعليم في إسبانيا تعطي فكرة عما هي عليه في البلدان الأوروبية بوجه عام. وهذا ما تقوم به «أندلس نيوز» في هذا اللقاء ، وحول هذه التجارب في إستراتيجية العمل التربوي والكفاءة العلمية والثقافية البيداغوجية التعليمية في تسيير الحقل التعليمي داخل المدارس العربية (المساجد). كان ” لصحيفة أندلس نيوز” هذا الحوار الحصرى والخاص مع الدكتور/ مصطفى السعود .
وإليكم نص الحوار الكامل:ـ
كيف يمكنكم تفسير واقع التعليم في المنطقة ؟
إذا ما كنا نتكلم عن منطقة محافظة ألميريا جهة وسط ألميريا فمشاكل التعليم فيها تختلف نوعا ما عن غيرها الموجودة في باقي الجهات والاقاليم الاخرى ، من أهم هذه المشاكل هو عدم المواظبة من طرف التلاميذ ، فهم متجددون كل سنة وفي كل الفئات العمرية ، وبالتالي ليس هناك إستمرارية على مستوى التعلم ، هذا من ناحية التلاميذ ، ومن جهة اخرى هناك مشكل المؤطرين حيث اننا نعتمد كليا على متطوعين و متطوعات من المقيمين بالمحافظة او طلبة الجامعة من رواد المسجد ….الخ ، فعدم وجود أساتذة رسميين يبطئ عملية التعليم والتعلم برمتها، وبذلك نرى عدم إستمرارية حتى من جانب المؤطرين. المشكل الثالث هو مشكل المناهج ، في ظل المشاكل السالفة الذكر، يظهر جليا مدى صعوبة ايجاد منهج فعال يتماشي مع كل هذه الظروف والعراقل ، ولذلك نضطر في كل سنة الى تعديل المنهج باستمرار والمحافظة على خطوط عريضة ثابتة، على أساس المتطلبات والمشاكل التي تواجهنا او التى تطرا علينا
بالنسبة للمناهج أي منهج تعليم تتبعون الآن للتدريس في إسبانيا؟
لابد وانك تقصد الميريا فالميريا ليست هي كل إسبانيا، فالمنهج الحالي عندنا هو منهج مختلط يحتوي في جانب منه على منهج طارق ، واخر على منهج إقرأ ونستعين بمنهج ثالث اتانا من المغرب فنحاول نحن بالتنسيق مع جمعية اساتذة اللغة العربية والتربية الاسلامية بالميريا “امار” صياغة منهج ياخذ من لب كل المناهج المتوفرة لدينا حتى يصبح منهجا صالحا لواقعنا هنا بالمهجر بتوفير اكبر عدد من المعلومات لايصالها بوضوح في اقصر مدة ممكن
فيما يخص التربية الاسلامية فنعتمد في ذلك على الفقيه ، أو على الامام الراتب بالأحرى ، وان كان متطوعا في بعض الاحيان وهذا مشكل ثان يضاف الى ما سبق ، ولذلك فبعض السنوات تكون سنوات عجاف لعدم توفر إمام راتب لدينا وبالتالي كنا نكلف بعض الاساتذة المتطوعون في اللغة العربية ، مشكورين، ليخصصوا جزءا من حصتهم ليدرسوا اساسيات التربية الاسلامية ، بالاضافة الى تحفيظ بعض السور القرانية وبعض الاناشيد الدينية والادعية البسيطة لسداد النقص الحاصل في انتظار وجود امام يقوم بالمهمة
نعتمد على منهج المغرب، “التفسير الواضح في دروس القران الكريم” ثم منهج اخر اسباني “اكتشاف الاسلام” ومن خلال هذه المناهج نحاول تبسيط المعلومات لابنائنا حسب مستواهم الذهني لتعميم الفائدة لان المنهج المغربي معد لواقع مغربي حيث الطفل فيه معد سلفا في بيته لاستقبال الكثير من المعلومات الدينية دون عناء بخلاف واقعنا هنا فالشرح في المنهج يحتاج شرحا عندنا وفي ظل النقص الحاصل لإستعاب اللغة العربية ولتسهيل الحفظ نعتمد على كتب مدونة بحروف إسبانية وناطقة باللغة العربية لكي نساعدهم على حفظ القران في البيت وحدهم لانشغال الاباء عنهم وهذه الوسيلة اعطت ثمارها والحمد لله
أنت تكلمت عن مناهج التعليم فماهي أهم المشاكل والعقبات التي تواجهكم في طريق تطبيقكم لتلك المناهج اللغة العربية والتربية الاسلامية؟
كما سبق لي وقد ذكرت لك من قبل هناك مشاكل متعلقة بالمدرسين اخرى متعلقة بنوعية التلاميذ ،ثم اخرى بالمناهج وهذه هي المشاكل الاساسية الثلاثة ، طبعا الاسباب المرتبطة بتلك المشاكل هي كثيرة لكن اذا حاولنا تلخيصها ، فيمكن ان نقول ما يلي ان غياب التلاميذ هو لابد مرتبط بعدم وعي ابائهم باهمية عملية تعليم اللغة العربية والتربية الاسلامية في بلاد المهجر مما يضعف انضباطهم وكذا انضباط ابنائهم واهتمامهم بالتعليم فلا يواضبون ، فيقل فهمهم واستيعابهم فيملون مما يهدد ضمان نجاح العملية التعليمية ، فيما يخص مشكل المدرسين فله عاملين رئيسيين هما الجانب المادي والتقني ، حيث عدم توفير تمويل قار للاساتذة وكذا توفير قاعات خاصة للدراسة تحتوي على كل الوسائل التكنولوجنة والبيداكوجية اللازمة للتدريس في ضروف جيدة ، يضعف قوة الاطار التقني المسؤول عن التعليم بالمنطقة ، اما عن المناهج فهي كثيرة فنحتاج فقط الى البحث الدائم عن افضل الطرق المستحدثة للتعليم المختلط وإستجلاب التقنيات الحديثة لكي نصل المعلومة بأفضل طريقة ممكنة وهو امر متجدد تفاعلي يحتاج لتضافر كل الجهود
إذن ماهي الأسباب ؟
تكلمت عن الاسباب فيما سبق وحسب خبرتي المتواضعة هنا في ألميريا فان الآباء يتحملون النصيب الاوفر في تلك الاسباب فهم يمثلون الجيل الاول في الميريا فهو الجيل المؤسس للمستقبل وهي مسؤولية ضخمة على عاتقهم وعاتقنا كذلك ، فاغلبهم ذو مستوى تعليمي جد متواضع او منعدم حتى ، فلا يفهمون او يستوعبون أن اللغة العربية هي ضمان لوجودهم باعتبار هويتهم العربية الاسلامية وهذا يجعل منهم سفراء أين ماذهبوا ،سفراء لثقافتهم ولأصلهم وسفراء لوجوده ، ولكن للاسف فهذا النوع من الوعي غير موجود . على سبيل المثال لا الحصر ، أعطيك نمودج حتى يمكن أن نفهم هذه النقطة ، هناك تلميذ مشاغب لما وبخته لما يفعل قال لي يأستاذ: قال لي أبي انه لو كنت جئت الى إسبانيا لكي أتعلم العربية ماكنت قد جئت إلى هنا ، هذا يعني الرسالة التي يوجهها الاباء إلى أبنائهم هي رسالة مقلوبة فكيف سيحب هذا التلميذ لغته ويعتز بها ويتمنى تعلمها حتى ياتي للمسجد متشوقا للمعرفة غير نعسان وابوه يخبره ان من تعلم العربية وتكلم بها فهو متخلف ، فإذا تكلم بالإسبانية بين قوسين فهي تعطيه نوع من العزة والرفعة رغم أنه لايتقنها فنحصل على تلميذ مشوه ، لاهو عربي ولاهو إسباني ولاهو من أي جنس
من أي نوع هؤلاء التلاميذ ؟هل الذين إزدادوا هنا في إسبانيا أم الذين جاءوا كمهاجرين؟
هذا مشكل يظهر خصوصا عنذ التلاميذ الذين أتوا من المغرب مثلا ، أما بالنسبة للتلاميذ الذين إزدادوا هنا تجدهم لايعرفون حرفا من اللغة العربية ولذلك يكونون أكثر إنتباها من الآخرين ويدفعهم فضولهم في اكتشاف اللغة العربية الى إهتمام أكثر ، هذا الإهتمام أحيانا يصطدم بمجموعة من المشاكل اهمها ان سرعة إستعابه تكون ثقيلة ، وبالتالي يتطلب هذا عناية خاصة من طرف الأستاذ وفي ظل وجود العدد الكبير في بعض الاحيان يصل الى 30 تلميذا في المستوى الاول فتكون هذه الفرصة غير متوفرة بالنسبة لهؤلاء التلاميذ ، فنحصل على نفس المشكل أنه في الدورة الثانية يبدا الغياب والدورة الثالثة لا ياتون تماما ، وبذلك يكون عندنا نوعين من المشاكل وليس نوعا واحدا
لكن مجهودات “الجمعيات والمراكز” تبقى غير كافية، خاصة في غياب الدعم المؤسساتي من الدولة المستقبلة (إسبانيا) والدول المغاربية والمشرقية التي تتحمل حكوماتها مصير أبنائها في بلاد المهجر، وكذلك غياب إستراتيجية عمل بيداغوجي واضحة المعالم من طرف الهيآت الفيدرالية الممثلة للجمعيات الإسلامية بإسبانيا، والناطقة باسم الجالية الإسلامية لدى الحكومات المحلية والمركزية، تبقى غير كافية لتحقيق آمال وتطلعات الجالية العربية والمسلمة بإسبانيا في الحفاظ على هوية أبنائها من الاندثار.
واليوم أنتم يأستاذ مصطفى مسؤولون عن التعليم في ألميريا ماهو الحل في نظركم؟
أنا أظن أن المشكل هو تأطيرالآباء ، تحسيس الآباء بأهمية تعليم اللغة العربية في المنطقة والتحسيس يمر عبر مراحل وهو ليس مرحلة واحدة لان الآباء هنا كما نعلم يشكلون الجيل الأول كما ذكرت سابقا والجيل الاول يكون فيه نقص في الوعي عندهم نظرا لأنهم أتوا بفكرة العمل والكد وجمع الاموال ، فنسوا امر ابنائهم والتالي تكونت لديهم عقلية مختلفة تماما لا تتماشى مع التغير الإجتماعي حتى ، في رايي تجسيم المشكل يمر عبر تحديد نوعية الاباء عندنا حسب تكوينهم ، فاما عن رواد المساجد فتحسيسهم يمر عبر أئمة المساجد الواعون بهذا المشكل ، وأما الآباء الاخرين فالوصول اليهم ينبغي ان يكون بطرق آخرى ، كمثل هذا النوع من الصحافة الالكترونية أندلس نيوز هذا بالنسبة للآباء الذين يقرأون اما بالنسبة للآباء الذين لايقرأون ولا يترددون على المساجد ، فباقي الاباء هم إشكالية فيها نوع من الصعوبة ، ولذلك من المفروض استعمال الوسائل المستحدثة كالتلفزة والافلام والمسرحيات والبرامج الخاصة في الراديو ، فالتفكير في هكذا وسائل هي الاكثر انتشارا ووصولا الى كل فئات المجتمع وهي تكنولوجية سمعية بصرية تمكننا من الوصول الى كل الآباء على أختلاف منابعهم ومشاربهم وحتى الى ابناءهم ، ولأن هذه الوسائل متاحة للجميع فكان بودي لو كان هناك راديو او كانت عندنا إذاعة تكون تتكلم في الرياضة مثلا ولكن يكون هذفها هو التحسيس باهمية اللغة العربية ، خصوصا اننا نعرف بأن الآباء مهتمون بالرياضة فلا باس ان نتبع خطا بعض القنوات التي تستغل شهرتها لتبليغ مشاهديها ومستمعيها ما تريد بطريقة سلسة وهادفة فيجب أن نفكر في الوسيلة حتى نحقق الغاية
هل لديكم إتصالات مع جهات حكومية كالقنصلية المغربية أو جهات معنية أخرى؟
اتصالاتنا تقتصر حاليا مع بعض القنصليات فقط لإستجلاب بعض المناهج التدريسية ، أما عن التعاون في إطار تحسيس الآباء …..الخ ، فلم يكن هناك أي تعاون لحد الآن نظرا لان القنصليات هي جهات حكومية تفكر بطرق أخرى ، اعلم ان هناك تنسيق رسمي مابين القنصليات المغربية والحكومة الاسبانية أو وزارة التعليم الإسبانية لكي يتم إستجلاب بعض الأساتذة للغة العربية من المغرب وزرعهم هنا في المدارس الحكومية ، هذا التنسيق لست أدري ما جدواه ، هل يكون له ثمارا أو لا ، خصوصا وان كل الأساتذة الذين أتوا من المغرب لا يدرسون الا ساعة في الاسبوع فاي منهج يمكن ان يحقق الغاية المرجوة في وقت اقل من 40 ساعة في السنة وهو تحدي صعب المنال ، خصوصا اذا علمنا أن المناهج التي يتبعونها هي في المغرب تدرس طول الأسبوع خلال كل السنة الدراسية.
هل من الممكن ان نفسر هذه المعضلة بعدم وجود مدارس في بلد غير عربي ؟
طبعا وجود مدارس يعني وجود تجارب ونماذج سابقة مفيذة اما في حالنا لا توجد نماذج لواقعنا وانما هناك تجارب من مناطق ودول اخرى ، ومنطقيا لايمكن أن تضبط منهج على دولة او منطقة ثم تنقله نفس النمودج الى دولة او منطقة أخرى مع أختلاف كل شيء ، ولذلك فالأساس لاي منهج يجب أن ينطلق من واقع كل بلد مع استثمار التجارب في مختلف مناطق العالم خاصة منها التي تقاربنا في واقعنا المعيشي والاجتماعي ، وهذه هي الاشكالية ولذلك نحن نشتغل بعيدا عن القنصليات لاننا نفكر بطريقتين مختلفتين
ماهي البرامج المستقبلة التي تخططون لها في هذا المجال؟
نحن الآن بصدد إنشاء لجنة إقليمية تضم كل المسؤوليين على التدريس على المستوى الإقليمي ، طبعا نتكلم عن إقليم ألميريا ليس على المستوى الوطني وإنما على المستوى الإقليمي أولا لتوحيد الرؤى وثانيا لحصر جميع المشاكل سواء المحلية أوالاقليمية ومحاولة حلها ، نرجو من الله ان يكون لهذا التكوين نتائج مثمرة ، حاليا من خلال الجلسات الاولى نناقش فقط الاطار العام لعملنا وحسب عمل كل فرع من اللجنة التعليمية في الجهات الاربع لالميريا سنكون فكرة شاملة للوضعية التعليمية حتى يتم التعامل معها بكل فعالية ممكنة
ماهي كلمتكم الأخيرة أستاذ مصطفى ؟
أتمنى على كل من له نصيب من العلم مهما بلغت درجته ويجد في نفسه شجاعة واستطاعة لكي يعلم ابناء المنطقة التي يقطن فيها بالميريا أن لايبخل بما يعلم ويتعاون مع اخوته في الجمعيات المسؤولة ليساهم في نشر الوعي وتسريع واغناء عملية التعليم والتعلم، ولا يحقرن احدا عملا قد يفعله ويكون فيه خيرا كثيرا ، تطبيقا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ” بلغوا عني ولو اية“ـ
ماهو رأيكم في الموقع الإلكتروني الجديد أندلس نيوز؟
موقع أندلس نيوز هي مبادرة مهمة وجديدة وأتمنى لها الحياة الطويلة ، ربما تكون على الاقل في الوقت الحالي هي الوسيلة الوحيدة والأنجع لتحسيس الآباء والمشاركين والمنخرطين في هذه العملية التي نحن بصدد تأسيسها لتنمية عقول أبنائنا في هذه المنطقة ، اتمنى لكم التوفيق والسداد ونحن تحت اشارتكم متى طلبتم منا اية مساهمة من جانبنا.
شكرا لكم الدكتور مصطفى السعود على تلبية الدعوة