-
للزواج في المغرب تقاليد خاصة، ففي يوم العرس وهو الحفل الذي ستذهب بعده العروس إلى بيت زوجها، تحرص “النكافة” على أن تلبس العروس أكثر من لباس تقليدي يكون مختلفا ويمثل بعض مناطق المغرب كاللباس الفاسي والشمالي والأمازيغي ومختلف أنواع القفطان المغربي، إضافة إلى ملابس وأزياء أخرى، ولكن الظهور الأخير للعروس في الزفاف يكون بالثوب الأبيض الذي ترتديه الأوروبيات في زفافهن. وفي السنوات الأخيرة جذبت مهنة النكافة الرجال بعد أن كانت حكرا على النساء.
الرباط– في الأعراس المغربية، لا يمكن التخلي نهائيا عن دور ما يعرف بـ”النكافة”، أي السيدة التي تشرف على اختيار ملابس العروس يوم حفل الزفاف باعتباره ليلة العمر، وترافقها خلال الحفل لتظهر العروس في أبهى حلة ومنظر. وعلى مر سنوات طويلة، كانت ومازالت “النَكافة” (بفتح النون) تحضر بثقلها يوم احتفال العروسين بزواجهما، فيكون لها الدور في اختيار الملابس التي تظهر بها العروس، كما تتدخل في برمجة الحفل من حيث عدد الطلعات التي ستظهر فيها العروس.
وتعمل النكافة خلال حفل الزفاف، على تزيين العروس وسط حشد نسائي يقوم أول ما يصل إلى بيت العروس بعملية “التعشاق”، وهي الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تتوجه النكافة والحشد النسائي المرافق لها إلى غرفة العروس فيلبسنها اللباس الأول. بعدها تظهر محمولة داخل “العمارية” من طرف مجموعة شبان يطوفون بها قبل أن توضع في المكان المعد لجلوسها… وبعد فترة معينة تقودها النكافة إلى غرفتها وتلبسها اللباس الثاني، ثم تظهر محمولة فوق “الطيفور” قبل أن تتجه إلى المكان المعد لجلوسها. وقد يفوق عدد الفساتين التي يمكن أن تلبسها العروس خلال حفلة زفافها العشرة فساتين.
وتكون “الطلة” الأخيرة للعروس بثوب الزفاف الأبيض الأوروبي. وتراعي “النكافة” مع كل تغير في نوع اللباس اختيار الإكسسوارات الملائمة لذلك، الشيء الذي يجعل هذا اليوم أشبه بحفل لعرض الأزياء ترافقه بانوراما موسيقية تعزفها إحدى الأجواق التي تكيف موسيقاها وأغانيها وفق نوع لباس العروس، فتكون خليطا من الأغاني الشرقية والمغربية بشقيها العصري والفولكلوري. والعروس، قبيل موعد الحفل، مطالبة بأن تطرق باب صالونات الحلاقة لاختيار تسريحة الشعر المناسبة، وأيضا لوضع الماكياج الذي يلائم بشرتها وشكلها، فهذان جانبان ليسا من اختصاص “النكافة” التي يفترض أن يبدأ عملها الرسمي حيث سيقام حفل الزفاف.
إذا كانت مهنة “النِكافة” (بكسر النون عند الحديث عن المهنة) قد ظلت منذ زمن بعيد حكرا على النساء، فإنها في الآونة الأخيرة، بدأت تعرف إقبالا من قبل بعض الرجال على ممارستها، وارتفع منسوب شغف هؤلاء بها، إلى درجة أن هناك من بدأ يتحدث عن احتمال فتح الباب أمام منافسة حامية الوطيس بين الجنسين على هذه المهنة التي كانت إلى وقت قريب حكرا على النساء فقط. المصمم يوسف المزوري صاحب “دار المزوري لتنكيف وتزيين العرائس” في مدينة سلا، غير البعيدة عن العاصمة الرباط، ولج عالم “النكافة” لكن ليس بالصدفة، بل انطلاقا من رصيده الكبير في مجال التصميم وخياطة الألبسة التقليدية التي يعرف بها المغرب.
فبعد تجربة غنية وطويلة في مجال التصميم والخياطة، دامت حوالي عشرين سنة، يرى يوسف المزوري أنه لم يعد يفصله أي شيء عن مهنة النكافة، وبحماس كبير، دخل غمار هذه المنافسة، التي يتحدث عنها بشوق كبير، ثم إنه لا يرى أي حرج في مزاولة مهنة ظلت لسنوات طويلة من اختصاص النساء، “فالنكاف إنسان له ذوق ويحسن اختيار الألوان والإكسسوارات ويعرف كيف يشرف على أحوال العروسين ليلة زفافهما من بداية الحفل إلى آخره”، هكذا يعرف يوسف المزوري المهنة التي عشقها ولا يرى أي عيب في مزاولتها.
ويضيف يوسف الذي يجزم بأنه من الخطأ أن يقال إن النكاف لا يمكنه أن يكون رجلا “مهمتي اقتراح الألوان وإعداد الألبسة سواء تعلق الأمر بالقفطان أو التكشيطة (وهما نوعان من اللباس التقليدي المغربي المشهور عالميا)، كما أنني اقترح على العروس الإكسسوارات التي أراها تناسب ما سترتديه، أما التفاصيل التي تهم العروس عند دخولها أو مغادرتها لمكان الحفل، فإنني أكلف بها سيدة تسمى ‘المْعلمة’ لأن هناك خصوصيات لا يمكن للرجل النكاف أن يشرف عليها بطريقة مباشرة، ونحن أبناء أصول والثقافة المغربية تفرض علينا هذا، عدا ذلك، فكل ما يرتبط باختيار اللباس الذي ستظهر به العروس في حفل زفافها، فأنا المسؤول عنه”.
من مدينة سلا، لا يتوقف يوسف المزوري عن التنقل إلى كل من الدار البيضاء ومكناس وفاس، ففي هذه المدن الثلاث، يجد المصمم والخياط والنكاف ضالته في عالم الأثواب والخياطة والأكسسوارات. فمدينة الدار البيضاء، يقصدها يوسف المزوري باحثا عن آخر صيحات الأثواب الخاصة باللباس التقليدي المغربي، التي يعمل على تصميمها بطريقة عصرية، دون المس بالطابع التقليدي الخالص للألبسة المعروفة.
النكاف يقدم العروس في أحلى طلة
أما في مدينة فاس، (وسط المملكة)، فيكون يوسف المزوري على موعد مع حرفيين وصناع تقليديين متخصصين في تزيين العماريات (مثل الهودج الذي تركبه العروس وتقوم بجولة وسط مكان الحفل وهي محمولة فوقه)، اعتمادا على الطرز التقليدية، وبإدخال أحجار من ألوان مختلفة، وديكورات تقليدية تناسب الحفلات المغربية. كما يجلب النكاف يوسف المزوري من فاس الحلي المصنوعة من الذهب الخالص أو من الفضة. أما في العاصمة الإسماعيلية مكناس، القريبة من فاس، فيقتني يوسف المزوري ما جد في عالم المباخر المصنوعة من مادة النحاس الخالص وكذا بعض ما يحتياج إليه من أغراض خلال الحناء، التي في الغالب ما تنظم ليلة الزفاف، خصوصا إذا تعلق الأمر بتنظيم العرس في قاعة الحفلات.
تجديد الموديلات
يحرص النكاف يوسف المزوري على تصميم اللباس التقليدي للعروس بنفسه، ففي كل مرة، يهتدي إلى تصميم جديد يعرضه على زبائنه الذين يكون لهم مجال للاختيار، علما أنه يتدخل لأنه الأعلم بالموديلات، والأعلم بما سيناسب العروس من ألوان وإكسسوارات “فأنا بحكم مزاولة مهنة الخياطة لسنوات، أستطيع تنسيق الألوان واقتراح الألبسة التي ستناسب العروس، لذلك، أبحث عن الجديد في الموديلات وأجتهد بالأفكار الجديدة لأنال رضا زبائني وأكسب آخرين، فأنا عاشق لمهنتي التي قدمت لي الشيء الكثير كما أنني أعطيتها الشيء الكثير”.
عموما، عندما تلجأ العروس إلى “النكافة”، فإنها تعفى من اقتناء الألبسة، بل تقتصر على استعمال تلك التي تقترحها عليها “النكافة” أو “النكاف”، والشيء نفسه بالنسبة إلى الإكسسوارات والحلي التي تزين بها العروس، فأغلب ما ترتديه ليلة الزفاف يكون في ملك النكافة لأنها ألبسة أنيقة ومصنوعة وفق تصميم متميز. كما يمكن لبعض العرائس ارتداء لباس جديد الصنع من عند المصمم النكاف، لكن بثمن مرتفع مقارنة مع لباس سبق استخدامه في عرس آخر. وهنا يمكن للأسعار أن تفوق 30 ألف درهم (حوالي 3 آلاف يورو) إذا كان التصميم جديدا وسيلبس لأول مرة، أما إذا كان الأمر غير ذلك، فإن الأسعار يمكن أن تبدأ من 10 آلاف درهم (حوالي ألف يورو) وذلك بالنظر إلى طبيعة اللباس والإكسسوارات والحلي.
المهم بالنسبة إلى من يزاولون مهنة النكافة أن العروض لا بد أن تكون في متناول الجميع، وأن تلبي رغبات العرائس رغم اختلاف مستوياتهن الاجتماعية ورغم قدراتهن المادية، ثم إن هذا التنوع جعل الرواج في هذه المهنة ملحوظا، إذ خلافا لسنوات مضت حيث كانت الأعراس ترتكز على فترة الصيف، أصبح تنظيم حفل الزفاف حاليا يمتد على كامل فصول السنة، بالنظر إلى ما تتمتع به قاعات الحفلات حيث تقام الأعراس من جميع التجهيزات اللازمة التي تسمح بتنظيم الحفل في أحسن الظروف، خصوصا مع الدور الذي تلعبه “النكافة” أو “النكاف” في ضمان تنظيم محكم لظهور العروسين، وضمان راحتيهما.