ينظر مراقبون إلى القمة العربية الأفريقية في مالابو، عاصمة دولة غينيا الاستوائية، يومي 23 و24 نوفمبر الجاري، باعتبارها نقطة تحول في علاقات العرب بالقارة السمراء، نظرا للتحديات المشتركة التي يواجهها الطرفان، حيث باتت ماثلة في دائرة وعي كل منهما، إلا أن آخرين يرونها مجرد لقاء دوري عادي، لا يختلف عن العشرات من اللقاءات السابقة، التي عقدت ولم تحقق شيئا ملموسا حتى الآن.
تعقد القمة العربية الأفريقية، في غينيا الاستوائية، يومي 23 و24 نوفمبر الجاري حيث تعد القمة الرابعة، وكانت قد سبقتها ثلاث قمم؛ الأولى في القاهرة عام 1977، والثانية في ليبيا 2010 والثالثة في الكويت 2013.
وتمثل القمة فرصة لتقييم مسيرة الجانبين، نحو الاهتمام المشترك، في ظل التحديات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، التي يعاني منها الطرفان، لا سيما أن كليهما “العربي والأفريقي” أضاعا فرصا عديدة لعقود طويلة من الزمن، في ما يتعلق ببلورة تصور واضح، لبناء علاقات إستراتيجية، تحفظ الأمن القومي للمنطقة العربية وللقرن الأفريقي، اللذين أصبحا ساحة للحروب والمعارك الدولية.
ومع تراجع الدور العربي في القارة، توجهت معظم دول أوروبا وأميركا وآسيا إلى منطقتي الساحل والقرن الأفريقي، بما مثّل تهديدا على مستقبل العلاقة بين الشريكين، اللذين كان بإمكانهما تشكيل محور إقليمي قوي في السياسة الدولية، بالنظر إلى الإمكانيات المادية والثروات الطبيعية والموقع الجيوسياسي لهما، حيث تتقاطع المنطقة العربية جغرافيا بين قارتي آسيا وأفريقيا.
وعلى الرغم من الطابع الاقتصادي للقمة، والذي يظهره في شعارها “معا لتنمية مستدامة وتعاون اقتصادي”، إلا أن البعد السياسي موجود على أجندة جميع الأطراف، خصوصا في ما يتعلق بالسياسة الإقليمية، وتوازنات القوى، التي أتاحت للطرف الأفريقي اختيارات متعددة تصلح بديلا للتراجع العربي، كالتعاون مع الصين وأوروبا وفرنسا وتركيا والهند وكوريا وإسرائيل.
ولعبت القضية الفلسطينية، دورا مهما في تشكيل الوعي العربي الأفريقي، بضرورة التعاون ومواجهة التحديات الخارجية، وفي القمة الأولى، عام 1977، وقفت دول القارة موقفا إيجابيا مع العرب، وفي المقابل، لعبت الدول العربية من قبل، دورا مهما في دعم حركات التحرر الأفريقي. وقال أحمد بن حلي، نائب الأمين العام للجامعة العربية، إن “قمة مالابو، سيصدر عنها قرار خاص بفلسطين، يمثل دعما جديدا لها، بشكل قوي، في كافة المحافل الدولية، ولفت إلى أن هناك تنسيقا مع الجانب الفلسطيني واللجان التحضيرية للقمة، حول هذا الشأن.
تبدو هناك مجموعة من التحديات كحجر عثرة أمام اكتمال صورة التفاهم العربي الأفريقي، منها ما يرتبط بالقارة السمراء، وبعضها خاص بالدول العربية، بالإضافة إلى التنافس الإقليمي في أفريقيا، ومحاولة السيطرة على المنافذ البحرية، وتوظيفها في الصراع الدولي.
لكن انشغال معظم الدول العربية بمواجهة الآثار المترتبة على الربيع العربي وبمحاولة إعادة المكانة الدبلوماسية التي كانت قد فقدتها خلال السنوات الماضية قد يقف حجر عثرة أمام تحقيق هذا التقارب. وعلى سبيل المثال، عانت مصر، بعد أحداث الثالث من يوليو 2013، وبذلت مجهودا، حتى تعود إلى الاتحاد الأفريقي، الذي كان قد جمّد عضويتها، وتضاف إلى ذلك أزمة مصر مع دول حوض النيل، واتهامات إثيوبيا لها بدعم المعارضة الإثيوبية، ردا على أزمة سد النهضة.
وبدورها، تعاني ليبيا من انفلات الوضع الأمني بعد الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي، والمغرب تراجع دوره في السنوات الماضية تجاه الدول الأفريقية. أما الجزائر، فمشغولة بإدارة علاقاتها المعقدة مع بعض دول الجوار، بالإضافة إلى انشغالها بترتيب الأوضاع الداخلية، على خلفية قضية خلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ورأى السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن القمة الأفريقية – العربية الرابعة، “لن تكون محاولة لمناقشة القضايا الخلافية، بقدر ما ستكون محاولة لإيجاد تواصل مؤسسي بين الكتلتين العربية والأفريقية، ووضع خطوط ورسم سياسات عامة، يمكن من خلالها تقييم مدى التقارب في القمم القادمة”.
اتتواجد مؤشرات أوحت بعدم استبعاد وجود تنسيق إسرائيلي إيراني في القارة السمراء، حيث حاولت إسرائيل الحصول على عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، وأوجدت إيران لنفسها مكانة مؤثرة في القارة، على حساب الفراغ العربي. ولفت أيمن شبانة، خبير الشؤون الأفريقية، لـ”العرب”، إلى تأثير التدخل الخارجي وبطء التفاعل بين الطرفين، الذي يعكس عدم الإلمام بأهمية التواصل بين العرب وأفريقيا، وقال إن “التعاون بينهما، هو تعاون ‘نخبوي’، لا يتعدى حدود اللقاءات التي تجمعهما”. وستبحث القمة العربية – الأفريقية، ما تم تنفيذه من قرارات في القمم السابقة، خصوصا قمة الكويت 2013، التي عقدت تحت شعار “شركاء في التنمية والاستثمار”، وشارك فيها 34 رئيس دولة، ووفود من 71 دولة، وبحثت إمكانية إنشاء سوق عربية أفريقية مشتركة، وتعزيز التبادل التجاري والاستثمارات والأمن الغذائي، فضلا عن قضايا سياسية.
وشدد نائب الأمين العام للجامعة العربية على أولوية التعاون الاقتصادي والاستثمار وخاصة الأمن الزراعي، الأمر الذي أكّده لـ”العرب” جمال بيومي، رئيس اتحاد المستثمرين العرب، مشيرا إلى أن القمة تمثل فرصة لتفعيل التعاون الاقتصادي، بين دول القارة والدول العربية، لا سيما أن القارة السمراء، لديها من الإمكانيات ما يؤهلها للعب دور قوي، في ترجيح موازين القوى الإقليمية. ونبّه بيومي إلى أهمية الصناديق العربية، كصندوق التنمية العربي الأفريقي، والصناديق السيادية الوطنية، كصندوق دولة الكويت، والصندوق السعودي، بالإضافة إلى الصندوق المصري، والآليات التابعة للدول العربية في هذا الشأن، وتوقع أن تسفر القمة عن المزيد من الاتفاقيات والاستثمارات بين الجانبين.